بقلم : Lamia Guebli
Shreef Mohamed
*الجزء*(2)
اتى المساء وقد تدحرجت الشمس للمغيب مخلفة ذاك الشفق الأحمر الذي لطالما آزر الكثيرون ممن يعانون غربة الروح.
كانت لمياء بغرفتها توضب أغراضها وقد تفاجأت أنها صامتة على غير عادتها والأغرب أنها وجدت ذاك الرجل لا يفارق مخيلتها وكانها ترى عينيه بتلك النظرات بكل مكان...
ولم يكن شريف هو الآخر قد نسي ذاك اللقاء . فهو جالس بغرفته يجتر ذكريات يومه وكانت هي من يسيطر على تفكيره.
مرت ليلة قد تبدو طويلة على كليهما.
يشرق يوم جديد حاملا معه مفاجآت للطرفين...
مرت ثلاثة أيام ولم يتوجه شريف لمكان لقائهما الاول بينما كانت لمياء كعادتها تستأنس بعالمها الذي ترى انه عالم مثالي.
وقد لاحظت غيابه وكانت نظراتها مسلطة على ذاك المقعد الخشبي الذي كلما احتله رجل تمنت لو تأمره بالمغادرة ،فهي لا ترى سوى طيفه لا غير ...
باليوم الرابع وقد كانت مشتتة الأفكار بين صفحات جبران التي تثير الدهشة بفلسفاته العميقة أحست أن احد قد استعمر مكان ذاك الرجل المجهول.صعب عليها النظر مباشرة ،فأسترقت النظر لتراه وقد بدى على محياه الفرح.لكن هذه المرة لم تخطئ توقعاتها فقد كان شريف يرمقها من بعيد ما جعلها ترتبك بتصرفاتها...
وفي الاثناء دخل رجل تبدو عليه علامات الثراء باحثا عن مقعد شاغر. وقد لاحظ شريف ان بصره قد وقع على مقعد قبالة لمياء .بحركة لا إرادية جمع كل أجزاءه وأسرع الخطى جالسا أمامها مما أثار تعجبها ودهشة الرجل الواقف على مقربة منهما.
بصوت مرتعش ردد شريف:تفظل أستاذ لقد تركت لك مكاني لتستريح وتستمتع بوقتك فأنا مغادر بعد قليل .
فقال الرجل وقد علت شفتيه علامة الرضاء:مشكور ذاك من نبل أخلاقك.
وسط هذا الحوار لم ترفع لمياء عينيها عن شريف وهو يتكلم وقد داعبت جبينه حبات عرق كشفت تصنعه بالحديث.
ساد الصمت ،تعالت الانفاس ان لم نقل أنها تقطعت او كادت تزهق .فلا أحد منهما احتمل ذاك القرب اللامتوقع.
قال شريف كاسرا حواجز الصمت :أعذريني فانا مغادر بعد قليل لن ازعجكِ.
قالت : العفو أنا كذلك لن يطول بقائي مرحب بك .
هامسة بباطنها: لما هو هكذا يشعرني أنني أعرفه منذ زمن؟
ماهذا الشعور الذي يخالجني؟ هل اكلمه؟هل أبدء الحديث بسؤال بسيط ؟؟؟ هل اعرفه بنفسي؟؟؟
وكأن شريف قد قرأ ما يجول بفكرها . وقف وقد امتدت يده اليها ملقيا التحية
قائلا : اسمي شريف احب المطالعة ، لا أجد راحتي سوى بين صفحاتها.
وقفت لمياء مع ان قدميها قد رفضت حملها .....بادلته التحية لتجلس ثانية .
دار بينهما حوار طويل جعل الزمن يمر بطرفة عين.
قالت: أعذرني لقد تأخر الوقت ،سأغادر
مرددا:تفضلي سيدتي.
لم تفارقها عيناه حتى اختفائها عن أنظاره. وقد شعر انها تلتفت شبه التفاتة لتسرق نظرتها الأخيرة
توالت اللقاءات بينهما وتأكدت لمياء من مشاعرها تجاهه لكنها لم تفصح له عن ذلك .
لم يكن واضحا بكلامه ولا بتصرفاته فقط عيناه من أخبرتها بحبه لها .
شريف من جهة أخرى أحس بانجذابه لها وغلم أنه يعشقها ،لكنه لم يصارحها فقد كان هاجسه خوفه من الفراق المحتمل .
بهذا اليوم الجديد لم يكن هناك شيئا قد يفصلهما فقد تشاركا نفس الطاولة المعتادة منذ البداية .
وتجاذبا أطراف الحديث والنقاش ويوم بعد يوم ازدادا ببعضهما شغفا دون الإفصاح عن ذلك من الطرفين .
قال شريف: لمياء أريد أن أقول لك شيئا
قالت : تفظل لك ذلك
لكنه لم يتكلم بل استعمرتها نظراته العميقة بما فيها من أساطير ...
جعلتها ترتجف وقد شعر شريف بتغيرها فأمسك بيدها مطمىئنا إياها دون ان ينطق بحرف.وقد اجتاز بصره عيناها التي تلألأت بهما دمعة خفية .
قالت ومازال صوتها مرتعشا: شريف اتحبـ....؟؟؟
قاطعها رافعا يده وقد تسمر بمكانه ونزلت دمعتها التي لم تستطع المكوث طويلا بمقلتها.
وقف شريف وناولها منديلا ثم أخذ حقيبته ورحل .
بينما شاهدت لمياء تلك الدمعة الغبية التي داعبت وريقاتها بصمت وقد شاركتها بذلك نصف ابتسامة
تائهة ............
يتبع...........
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكراً لكم مع تحياتنا القلبية بعبق الزهور